فصل: (فرع: النهي عن استعمال اليمين في الاستنجاء)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي



.[فرع: كيفية الاستجمار]

قال أصحابنا: وأما كيفية الاستنجاء بالأحجار: فليس فيه تقدير واجب، وإنما يجب أن يمر كل حجر من الأحجار الثلاثة على كل موضع من مواضع الاستنجاء.
وأما كيفية الاستنجاء: ففيه وجهان:
أحدهما قال أبو إسحاق: يأخذ حجرًا فيمره على الصفحة اليمنى ويرمي به، ثم يأخذ حجرا آخر فيمره على الصفحة اليسرى ويرمي به، ثم يأخذ حجرًا فيمره من مقدم على المسربة ويرمي به، لما روى سهل بن سعد: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «يكفي أحدكم إذا قضى حاجته أن يستنجي بثلاثة أحجار: حجرين للصفحتين، وحجر للمسربة».
والثاني: قال أبو علي بن أبي هريرة: يأخذ حجرًا فيمره من مقدم صفحته اليمنى إلى مؤخرها، ثم يديره إلى اليسرى من مؤخرها إلى مقدمها، ثم يأخذ حجرًا ثانيًا فيمره من مقدم صفحته اليسرى إلى مؤخرها، ويديره من مؤخر صفحته اليمنى إلى مقدمها، ثم يأخذ حجرًا ثالثًا فيمره على جميعهما وعلى المسربة؛ لما روي: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «يقبل بحجر، ويدبر بحجر، ويحلق بالثالث». وهذا أصح؛ لأنه يستعمل جميع الأحجار، في جميع مواضع الاستنجاء.

.[فرع: كيفية استنجاء غير الرجل]

واستنجاء المرأة في الدبر كاستنجاء الرجل.
وأما استنجاؤها من البول: فإن كانت بكرًا فإنها تستنجي في مواضع البول بالأحجار والماء كالرجل.
وأما موضع البكارة: فلا تعلق للبول فيه؛ لأنه مسدود تحت ثقبة البول، ولا يصل إليه البول، ولكن يستحب لها: أن تدخل أصبعها في الثقب الذي في الفرج، فإن لم تفعل لم يلزمها شيء.
وأما الثيب: فإنها إذا جلست للبول انفرج ذلك الموضع، فربما ينزل إليه البول، فإن تحققت وصول البول إلى موضع البكارة ـ وهو مدخل الذكر، ومخرج الحيض،
والمني، والولد ـ وجب غسله بالماء. وإن لم يتحقق وصول البول إليه استحب لها: أن تغسله، ولا يجب عليها.
وحكى في "الفروع" وجهًا آخر: أن الثيب لا يجزئها الاستنجاء بالحجر. وليس بشيء.
وأما الخنثى المشكل: فحكمه في الاستنجاء في الدبر حكم غيره.
وإن خرج البول من أحد فرجيه، ومن عادته أن يبول منهما فقد مضى ذكره في الحدث. وإن بال منهما وجب عليه الاستنجاء فيهما؛ لأن أحدهما أصلي بيقين، ولكن لا نعرفه بعينه، فلزمه الاستنجاء فيهما؛ ليسقط الفرض بيقين.
فإن أراد الاستنجاء بالماء فيهما جاز.
وإن أراد الاقتصار فيهما على الحجر فهل يجزئه؟ فيه وجهان ـ بناء على من انفتح له مخرج دون المعدة، مع انفتاح المعتاد ـ:
إذا قلنا: ينتقض الوضوء بمسه فهل يجزئ فيه الحجر؟ فيه وجهان، مضى ذكرهما.
فإذا قلنا: يجزئه فيه الحجر وجب لكل واحد منهما أبعد الأمرين من ثلاثة أحجار، أو الإنقاء، كما قلنا في الأصلي.

.[فرع: النهي عن استعمال اليمين في الاستنجاء]

ويكره أن يستنجي بيمينه؛ لما روى أبو قتادة: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إذا بال أحدكم فلا يمس ذكره بيمينه، وإذا خلا فلا يستنجي بيمينه».
وروي عن عائشة: أنها قالت: «كانت يد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اليمنى لطعامه وشرابه وطهوره، ويده اليسرى للاستنجاء».
ويستحب أن لا يستعين بيمينه في الاستنجاء على شيء يمكنه فعله بغيرها، فإن كان يستنجي بالحجر من الغائط أخذها بيساره ومسح بها.
وإن كان يستنجي بالحجر من البول، فإن كان يستنجي على حائط أو أرض أو حجر كبير أخذ ذكره بيساره ومسحه بها.
وإن كان يستنجي بحجر صغير ترك الحجر بين عقبيه أو إبهامي رجليه، ومسح عليه ذكره بيساره، وإن لم يمكنه، أمسكه بيمينه ومسحه بها. وهكذا إن كان يستنجي بالماء فإنه يصب الماء بيمينه على موضع الاستنجاء، ويدلكه بيساره؛ لأنه لا يمكنه غير ذلك.
وإن كان أقطع اليسار لم يكره له أن يستنجي بيمينه؛ لأنه موضع ضرورة.
فإن استنجى بيمينه مع تمكنه من فعله بيساره أجزأه؛ لأن الاستنجاء يقع بما يأخذه بها، لا بها.

.[مسألة: ما يقوم مقام الحجر]

وإن استنجى بما يقوم مقام الحجر أجزأه.
وقال داود وأهل الظاهر، وزفر، وأحمد: (لا يجزئه).
دليلنا: ما روى ابن عباس: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إذا قضى أحدكم حاجته فليستنج بثلاثة أحجار، أو بثلاثة أعواد، أو بثلاث حثيات من تراب». ذكره الدارقطني.
إذا ثبت هذا: فإن ما يقوم مقام الحجر ما اجتمع فيه ستة شروط:
الشرط الأول: أن يكون جامدًا، فإن استنجى بمائع غير الماء، كالخل، واللبن وما أشبههما لم يجز؛ لأن إزالة النجاسة لا تجوز عندنا بغير الماء، وقد مضى ذكره.
الشرط الثاني: أن يكون الجامد طاهرًا؛ لـ «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن الاستنجاء بالروث، والرمة». وإنما نهى عنهما لنجاستهما؛ بدليل ما روي: «عن ابن مسعود: أنه قال: أتيت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بحجرين وروثة ليستنجي به، فأخذ الحجرين، ورمى بالروثة، وقال: إنها ركس». ولأن الماء النجس لا يجوز إزالة النجاسة به، فكذلك الجامد النجس.
إذا ثبت هذا: فإن الشافعي قال في " المختصر " [1/12] (فإن استطاب بما يقوم مقام الحجر من الخزف والآجر وأنقى ما هنالك أجزأه).
وذكر أيضًا في "الأم" [1/19] (أن الاستنجاء بالآجر يجوز).
قال الشيخ أبو حامد: فيحتمل أن يكون الآجر عند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يطرح فيه روث، وقد قيل: إن طرح الروث فيه لم يكن قبل، ثم حدث، ويحتمل أن يكون علم أن فيه روثًا، ولكنه حكم بأن النار أكلته، فإذا غسل طهر ظاهره، فيجوز الاستنجاء به. فإن كسر موضع منه فموضع الكسر نجس، لا يجوز الاستنجاء به وإن غسله؛ لأن الأعيان قائمة فيه لم تحرقها النار.
ولا يستنجي بحجر قد استنجى به هو، أو غيره قبل أن يغسل الحجر بالماء.
فإن غسل بشيء من المائعات، كالخل، وماء الورد فالمشهور من المذهب: أنه لا يحكم بطهارته، ولا يجوز الاستنجاء به؛ لأن إزالة النجاسة لا تجوز بغير الماء.
وحكى الصيمري قولا آخر: أنه يحكم بطهارته، ويجوز الاستنجاء به؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الأرض يطهر بعضها بعضًا». ولأن المقصود إزالة عين النجاسة، وقد زالت. وهذا قول أبي حنيفة.
فإن جفت النجاسة بالشمس، وذهبت عينها فهل يحكم بطهارته، ويجوز الاستنجاء به؟ فيه وجهان.
فإن قلنا: يحكم بطهارته بالشمس فهل يحكم بطهارته إذا ذهبت عين النجاسة بالظل والرياح؟ فيه قولان.
وإن استنجى بحجر، ثم وجده وشك: هل جرى عليه ماء طهره أم لا؟ لم يستنج به؛ لأن الأصل بقاؤه على النجاسة.
وإن رأى حجرا وشك: هل استنجى به هو، أو غيره؟
قال الشافعي: (كرهت له أن يستنجي به، فإن فعل به أجزأه؛ لأن الأصل أنه لم يستنج به).
فإن استنجى بشيء نجس، أو بمائع غير الماء فهل يجزئه الاستنجاء بالأحجار من ذلك؟ فيه وجهان.
أحدهما: لا يجزئه إلا الماء؛ لأن هذه النجاسة من غير الخارج من السبيلين، فلم يجزئه إلا الماء، كما لو وقعت نجاسة على موضع من بدنه غير موضع الاستنجاء.
والثاني: تجزئه الأحجار؛ لأن هذه النجاسة تابعة للنجاسة التي على المحل، فزالت بزوالها.
الشرط الثالث: أن يكون الجامد منقيًا، فإن كان غير منقٍ، كالزجاج، والحديد الصقيل، وما أشبه ذلك لم يجزه الاستنجاء به، لأن المقصود إزالة عين النجو،
وهي لا تزول بذلك. وكذلك اللزج الذي لا يجري على موضع الاستنجاء لا يصح الاستنجاء به، لأن عين النجاسة لا تزول به.
وأما الفحم: فالبغداديون من أصحابنا قالوا: لا يصح الاستنجاء به؛ لأنه لا يزيل العين، فهو كالزجاج.
وقال المسعودي [في "الإبانة" ق\23] قد اختلف نص الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فيه، والصحيح: إن كان صلبًا صح الاستنجاء به، وإن كان رخوًا لم يصح الاستنجاء به.
وإن استنجى بحجر فيه رطوبة فهل يصح؟ فيه وجهان.
قال الصيمري: ويمكن أن يقال: إن كانت الرطوبة يسيرة صح، وإن كانت كثيرة لم يصح.
فإن استنجى بشيء أملس، كالزجاج الأملس، والحديد الصقيل، فهل يصح الاستنجاء بعده بالحجر؟ فيه وجهان:
أحدهما قال القفال: لا يصح.
والثاني: قال غيره: يصح.
الشرط الرابع: أن لا يكون الجامد مطعومًا، فإن استنجى بمطعوم، كالخبز والعظم لم يجز.
وقال مالك، وأبو حنيفة: (يجوز الاستنجاء بالعظم).
فأما مالك: فلأنه مزيل عنده للعين.
وأما أبو حنيفة: فلأن الاستنجاء عنده غير واجب.
ودليلنا: ما روي: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال لرويفع بن ثابت الأنصاري: «يا رويفع، لعل الحياة ستطول بك، فأخبر الناس أن من استنجى بعظم، أو رجيع فقد برئ من محمد».
وروى أبو هريرة: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن الاستنجاء بالروث والرمة»: وهي العظم البالي.
وروى ابن مسعود: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن الاستنجاء بالعظام، وقال: هي زاد إخوانكم من الجن».
إذا ثبت هذا: فإن استنجى بالخبز وأنقى، أو بعظم طاهر وأنقى، فقد فعل فعلا محرمًا، ويأثم به إذا علم تحريمه. وهل يصح استنجاؤه؟ فيه وجهان:
أحدهما: يصح؛ لأنه جامد طاهر مزيل للعين، فصح استنجاؤه، وإنما منع منه للحرمة، كما لو صلى في ثوب حرير.
والثاني: لا يصح، وهو صحيح؛ لأن الاستنجاء بغير الماء رخصة، والرخص لا تتعلق بالمعاصي. فإذا قلنا بهذا. أجزأه الاستنجاء بالأحجار وجهًا واحدًا، هكذا ذكره في "الفروع".
الشرط الخامس: أن لا يكون للجامد حرمة. فإن كان له حرمة، بأن استنجى بما فيه قرآن، أو حديث، أو فقه لم يجز؛ لأن فيه استخفافًا بالشريعة. فإن استنجى بشيء من ذلك وأنقى فهل يصح؟ فيه وجهان، كما ذكرنا في الخبز والعظم. فإذا قلنا: لا يصح، أجزأه الإعادة بالأحجار وجهًا واحدًا.
وإن استنجى بقطعة خشنة من ذهب، أو فضة، فهل يصح؟ فيه وجهان:
أحدهما: يصح؛ لأنه جامد طاهر مزيل للعين غير مطعوم، فأجزأه كالحجر.
والثاني: لا يصح؛ لأن فيه سرفًا.
فعلى هذا: يصح إعادة الاستنجاء بالحجر وجهًا واحدًا.
وإن استنجى بقطعة ديباج أجزأه؛ لأنه جامد طاهر مزيل للعين، لا حرمة له، فأجزأه كالحجر.
قال في " حرملة ": (وإن استنجى بخرقة من أحد جانبيها، وكانت رقيقة بحيث تصل النجاسة إلى الجانب الآخر، لم يجز الاستنجاء في الجانب الآخر؛ لأنها تتندى بالرطوبة النجسة، فتصير نجسة، إلا أن تلف الخرقة بعضها على بعض، بحيث لا تتندى النجاسة إلى الجانب الآخر، أو تكون ثخينة لا تصل النجاسة إلى الجانب الآخر منها، فيجوز حينئذ أن يستنجي بالجانب الآخر؛ لأن النجاسة من الجانب الآخر لا تصل إليه).
الشرط السادس: أن لا يكون جزءًا من حيوان متصل به؛ لأن له حرمة.
فإن استنجى بشيء طاهر من ذلك، مثل أن يستنجي بيده، أو عقبه، أو بيد غيره، أو بذنب حمار متصل به، فهل يصح؟ فيه وجهان:
أحدهما قال الشيخ أبو حامد: يصح؛ لأنه جامد طاهر منق غير مطعوم، فأجزأه كالحجر.
والثاني: قال أكثر أصحابنا: لا يصح؛ لأن له حرمة، فلم يصح الاستنجاء به، كالعظم.

.[فرع: الاستنجاء بالصوف]

قال في " حرملة ": (وإذا نتف الصوف من ظهر الحيوان المأكول، واستنجى به، كرهته، وأجزأه).
قال أصحابنا: إنما كره النتف؛ لأن فيه تعذيب الحيوان. فأما الاستنجاء بالصوف من الحيوان المأكول: فلا يكره؛ لأنه جامد طاهر منق غير مطعوم، فهو كالحجر.

.[فرع: الاستنجاء بالجلد]

وهل يجوز الاستنجاء بالجلد بعد الدباغ؟ فيه قولان:
أحدهما قال في " البويطي "، و" حرملة ": (لا يجوز)؛ لـ «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن الاستنجاء بالرمة». وهذا الجلد في معنى الرمة.
والثاني: يجوز؛ لأنه جامد طاهر مزيل للعين غير مطعوم، فأشبه الحجر.
فإن قيل: هلا قلتم: لا يجوز؛ لأنه مأكول؟
قلنا: هو في العادة لا يقصد أكله، ولهذا يجوز بيع جلدين بجلد.
وإن استنجى بجلد حيوان مأكول مذكى، غير مدبوغ، فهل يصح؟ فيه قولان:
أحدهما: يصح، كما يصح بالخرق.
والثاني: لا يصح؛ لأنه لا يقلع النجو للزوجته.

.[مسألة: تجاوز الخارج المخرج]

وإذا خرج منه الغائط، فكان على المخرج وما حوله مما ينتشر إليه في العادة، أجزأه فيه الحجر، بلا خلاف بين أصحابنا؛ لأن هذا هو المعتاد في عموم الناس، فحمل لفظ النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على ذلك.
قال أصحابنا: وقد روى المزني: (إذا عدى المخرج لم يجزئه إلا الماء). وهذا غير صحيح، بل الصحيح: ما نقله عن القديم: (أنه يستطيب بالأحجار، إذا لم ينتشر منه إلا ما ينتشر في العادة من العامة، في ذلك الموضع وحوله).
فإن تغوط وقام، أو جف الغائط لم يجزئه إلا الماء؛ لأن بقيامه يزول الغائط الخارج عن موضعه بفعله. وبجفافه لا يزول بالحجر، فانحتم الماء فيه.
وإن انتشر الغائط إلى باطن الأليتين، ولم يخرج شيء منه إلى ظاهرهما فهل يجزئه الحجر؟ فيه قولان:
أحدهما قال في القدم: (لا يجزئه إلا الماء؛ لأن ذلك يندر ويقل، فلا حاجة به إلى استعمال الأحجار فيه).
والثاني: قال في "الأم" [1/19] يجزئه الأحجار؛ لأن المهاجرين لما قدموا المدينة أكلوا التمر - وكانت أقواتهم الحنطة والشعير - والتمر يرق بطن من لا يعتاد أكله.
ومعلوم أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أذن لهم في الاستنجاء بالأحجار. ولأن ذلك يتعذر ضبطه، فجعل الباطن كله حدًا.
وإن خرج الغائط إلى ظاهر الأليتين لم يجزئه فيما خرج عن الأليتين إلا الماء قولا واحدًا؛ لأن ذلك نادر، فلم يجزئه إلا الماء، كالنجاسة على سائر بدنه.
فإن قلنا بقوله في "الأم"، وأن المنتشر إلى باطن الألية يجزئ فيه الحجر. قال الشيخ أبو حامد: وجب عليه استعمال الماء فيما ظهر على ظاهر الأليتين، وأجزأه الحجر في المخرج وفي باطن الأليتين.
وإن قلنا بقوله القديم، وأنه لا يجزئه الحجر في باطن الأليتين، فلا يمكن ـ هاهنا ـ أن يقال: يستعمل الحجر في المخرج وما حوله، والماء فيما زاد على ذلك؛ لأنه لا يتأتى الفصل بينهما، فإن أمكنه ذلك أجزأه.

.[فرع: حكم انتشار البول فوق المعتاد]

وأما البول: فإن كان على ثقب الذكر وما حوله، مما جرت العادة بانتشار البول إليه، أجزأه الحجر قولا واحدًا؛ لأنه هو المعتاد في عموم الناس.
وإن جاوز البول موضع الطوق من باطن الذكر، أو ظاهره، لم يجزئه فيما جاوز الطوق إلا الماء؛ لأن ذلك نادر.
وإن جاوز البول الثقب وما حوله، ولم يتجاوز الطوق، فهل يجزئ فيه الحجر؟ فيه طريقان:
أحدهما من أصحابنا من قال: فيه قولان، كالقولين في الغائط إذا جاوز المخرج وما حوله إلى باطن الأليتين:
أحدهما: لا يجزئه إلا الماء؛ لأنه يندر.
والثاني: يجزئه الحجر؛ لأنه قد ينتشر إليه في العادة، فجعل الطوق كله حدًا، ووجب الماء فيما زاد.
والطريق الثاني قال الشيخ أبو إسحاق: لا يجزئه إلا الماء قولا واحدًا؛ لأن ما ينتشر من البول نادر بخلاف الغائط.

.[فرع: حكم الخارج غير المعتاد]

وإن كان الخارج من السبيلين غير الغائط والبول، فإن كان دم حيض، أو نفاس، أو منيًا، فإن هذا لا مدخل لاستعمال الأحجار فيه؛ لأن ذلك يوجب الطهارة الكبرى.
وإن كان دما غير الحيض والنفاس، أو قيحًا، أو صديدًا، فإن ذلك يوجب الاستنجاء؛ لأنه مائع نجس، فأوجب الاستنجاء كالغائط والبول. وهل يجزئ فيه الأحجار؟ فيه قولان.
وكذلك إذا خرج منه دودة أو حصاة لا رطوبة معها، وقلنا: يجب منها الاستنجاء، ففيه قولان:
أحدهما: يجزئ فيه الحجر؛ لأنه نجس خارج من السبيلين، فأشبه البول والغائط.
والثاني: لا يجزئ فيه الحجر؛ لأن الأحجار إنما أجزأت في الغائط والبول؛ لتكررهما ولخوف المشقة باعتياد الماء فيهما، وهذا لا يوجد في هذه الأشياء النادرة، فانحتم فيها الماء. وبالله التوفيق.

.[باب ما يوجب الغسل]

.[مسألة: إيلاج الحشفة في الفرج]

والذي يوجب الغسل: إيلاج الحشفة في الفرج، وخروج المني، والحيض، والنفاس.
فأما إيلاج الحشفة في الفرج: فإنه يوجب الغسل، سواء أنزل أو لم ينزل، وهو قول كافة العلماء.
وقال سعد بن أبي وقاص، وزيد بن ثابت، وزيد بن أرقم، وأبي بن كعب، ومعاذ بن جبل، وأبو سعيد الخدري، وأبو أيوب الأنصاري، ورافع بن خديج: (لا غسل عليه، ما لم ينزل). وبه قال عروة، وداود. وقيل: إن أبيًا، وزيد بن أرقم رجعا عن ذلك.
دليلنا: قَوْله تَعَالَى: {وَلا جُنُبًا إِلا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا} [النساء: 43].
قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (والجنابة عند العرب: الجماع، وإن لم يكن معه إنزال).
وروي عن عائشة: أنها قالت: قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا التقى الختانان وجب الغسل»، فعلته أنا ورسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فاغتسلنا.
وروى أبو هريرة أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إذا قعد بين شعبها الأربع، وألصق ختانه بختانها فقد وجب الغسل، أنزل أو لم ينزل». وهذه نص.
قال الزهري: وشعبها الأربع: هي شعبتا رجليها، وشعبتا شفري فرجها.
وإلصاق الختان بالختان لا يوجب الغسل، وإنما عبر به عن إيلاج الحشفة؛ لأن (ختان المرأة) هو: أن يقطع منها جلدة فوق ثقبة البول في أعلى الفرج. و (مدخل الذكر) هو ثقبة في أسفل الفرج. فإذا غيب الحشفة فيه تحاذى (ختانه) ـ وهو: موضع القطع من ذكره المنحسر عن الحشفة ـ وختانها.
قال الشافعي: (والعرب تقول: التقى الفارسان: إذا تحاذيا، وإن لم يتضاما).
فعبر عن الإيلاج بالتقائهما لتقاربهما.
وإن أولج بعض الحشفة لم يجب الغسل؛ لأن التقاء الختانين لا يحصل بذلك.
فإن كان مقطعوع الحشفة ففيه وجهان، حكاهما الشاشي:
أحدهما: لا يجب عليهما الغسل، إلا بتغييب ما بقي من الذكر؛ لأنه لم يبق حد يعتبر، فاعتبر الجميع.
والثاني: يجب عليهما الغسل، إذا غيب من الباقي قدر الحشفة.
فإن أولج ذكره في دبر امرأة، أو دبر رجل، أو دبر خنثى مشكل، وجب عليهما الغسل، لأنه أحد السبيلين، فوجب الغسل بتغييب الحشفة فيه كالفرج.
وإن أولج ذكره في دبر بهيمة أو فرجها، أو فرج امرأة ميتة أو في دبرها وجب عليه الغسل.
وقال أبو حنيفة: (لا يجب).
دليلنا: أنه يقع عليه اسم الفرج، فوجب الغسل بتغييب الحشفة فيه، كفرج المرأة الحية.
وهل يجب غسل المرأة الميتة بذلك؟ فيه وجهان.
وهل يجب الحد على المولج فيها؟ فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: يجب؛ لأنه فرج محرم، فوجب بالإيلاج فيه الحد، كالمرأة الأجنبية الحية.
والثاني: لا يجب؛ لأنه فرج غير مقصود.
والثالث: إن كانت زوجته أو جاريته فلا حد عليه؛ للشبهة. وإن كانت أجنبية منه وجب عليه الحد؛ لأنه لا شبهة له فيه.